Saturday, February 13, 2010

يوريك مورجانوف ..عيون الصقر



"بالطبع أنتم تعرفون ها النمط ..ربما الغالب وربما الغالب التام أو المطلق لباعة الكتب في شارع رمسيس وبالأدق وبالتحديد على الرصيف المقابل لسنترال رمسيس قبل الانجراف إلى شارع سوق التوفيقية ..في أغلب الأحوال ستجده ينظر إليك ... سرعان ما يتضح أنه ينطلق نحوك ليقول لك : "أي خدمة يا كابتن"

احتمالان

1) بعد الخضة التي ستحل على أنفك وعينيك وباقي أو سائر أعضاء جسدك ستقول له وأنت تمشي عنوة ..وتغور من وشه : "شكرا"

2) ما فعلته أنا ..سرعة خلق الفكرة التي سأهرب بها من هذا البائع دون أن أبدو متهربا بل مستعدا لخوض حرب على وشك البدء جعلتني أقولها له : " والله ..فيه رواية ..عندك رواية اسمها ..عيون الصقر بتاعت كاتب اسمه يوريك مورجانوف "

النتيجة المتوقعة : 1) "لا والله" وهذا إن كان حافظا لكل الأسماء التجارية لل"بضاعة" الورقية التي يبيعها

2)استنى كدا ..وهذه النتيجة لن تجدها حتى لو كان التاجر ..تاجر الورق في سيريلانكا

ليس السبب هو أن الرواية وصل بها الحد الانتشاري إلى درجة خلوها من سوق الكتب أو أنها منعت بحظر قانوني من مؤسسة دينية أو شعبية أو أمنية ما ..لا ليس هذا هو السبب ..لكن السبب والذي تدور عليه هذه الأقصوصة هو أن رواية " عيون الصقر بتاعت مورجانوف دي مش موجودة فلا هناك مورجانوف ولا دياولو وبالتالي مافيش الأخت "عيون الصقر " ...

تحركت ناحية شارع سوق التوفيقية ..وبرزت الفكرة في عقلي الذي يعلوه فروة شعر سوداء مشعثة عبقرية منكوشة بالبلدي ..وانتهى الموضوع .

لكني في هذه المرحلة اعتدت عدة أمور : الجلوس على قهوة البورصة للقراءة لساعات .. شراء قطعتين بالعدد من سندوتشات الشاورمة من محل القزاز الكائن بشارع ـ مش عارف اسمه بس هو موازي لشارع هدى شعراوي ـ والتضايق من الشيف القائم بتقطيع الشاورمة وتقليبها لعدم وضعه كمية كافية من الطحينة على اللحم بشكل يرضي ذاتي المنبعجة ..تناول نفس القطعتين ـ سبحان الله ـ وأنا أسير على الرصيف المتجه لقهوة البورصة ...قهوة شاي نعناع سكوتش منت ـ نوعا من الحلوى ـ المرواح الساعة الواحدة أو الثانية عشر لحد العباسية من خلال شارع رمسيس بدءا من مرحلة التحرير ..عبد المنعم رياض ..وهكذا مرورا بقهوة ساعة صفا ..

يعني الحياة استمرت بيس يامان (peace ya man)

ألم تنسوا شيئا ..قراءة الكتب ..ملء شنطتك بالكتب على اعتبار أنك هتخلصها زي ما كنت بتعمل جدول مذاكرة للكلية أو الثانوية العامة وماتمشيش عليه وبتنجح والغريب أنك بتنجح ...من الأخر لازم اشتري كتب ..

في البداية ..كانت نفس الإجابة نظرا لنفس الغلاسة المتكررة مع تغيير الطابع الرمزي والأبجدي : "أي خدمة ياكابتن ..أؤمرني ..أو حتى يكح ..أو أي ما شاء من رغباته المريضة ..إنهم متشابهون ..

لساني وأسناني وحنجرتي وما لم يتم اكتشافه من خلايا جهازي الصوتي تقول : عندكش رواية عيون الصقر للأديب الروسي مورجانوف ...ياه وكمان عقلي خلاه روسي ..يانهار أبيض ..ياسلام ..ونفس الرد ..ثم تمثيل وارتداء قناع خيبة الأمل الذي يصل رسالة للي أمامك ـ جناب بائع الكتب ـ بأنك لفيت العالم سيرا على يديك بعد قدميك وبنكرياسك لكي ترى فقط غلاف هذا الكتاب المشبع والمبلول بتراب الثورة الشيوعية الحمراء .

لا يبادلك الأخر نفس شعور خيبة الأمل ..لكنه بالطبع يرسم نفس مشاعر وجهك لكن بدرجة تأثرية أقل بالطبع ..وتنتهي الحلقة القصيرة التي لا تستمر إلا لدقائق أو ثواني ..

سنوات ..خلال بعض أيام من تلك السنوات كان رصيد القراءاتي يتزايد ..وتطاير أفكاري كلك ..لكني وعلى لساني لم يكن هناك سوى أمر واحد حينما تضطرني الظروف .."عندك عيون الصقر لمورجانوف "..

بعد شهور وبشكل تدريجي جاء لي هاجس أحمق ..أن تكون الرواية موجودة بالفعل ..طبعا ليس بالاسم نفسه أي أن هناك رواية ربما اسمها عيون الصقر باسم كاتب أخر ...أو حتى هناك شخص يسمى مورجانوف مسرحي شاعر قاص روائي ..لكنه لم يكتب شيئا ما ورقيا اسمه عيون الصقر ..ليه لأ .. على شبكة الانترنت لم أجد أحد المعادلتين كاملة ..هناك مثلا : الصقر البنفسجي ..عيون فكيهة للأديب مرزوق مرزوق ..مورجانوف للحلويات الأسبانية 33 ش كاتسلاف سويسرا ..

لم أجد أبدا كيانا ما أو حتى تجويفا ما أملأه بالكلمتين : عيون الصقر أو التجمعين اللغويين "يوريك مورجانوف"

لكن الفكرة ظلت عالقة بذهني بشكل مرضي ..مرضي جدا ..خاصة وأنني وجدت أحد الأشخاص يقول لأحد باعة الكتب : " عندكش رواية ليوريك مورجانوف اسمها ..أنف النسر القرمزي "

"هيييييييييييييييييييه " هي الصيحة التي صرخت بها أعماقي في خوف ..هل هي حقيقة أم أضغاث أحلام ..كان رد البائع : "لا للأسف" ...

رجعت إلى بيتي ..فتشت الانترنت لم أجد الاسم الجديد ولا "أنف قرمزي" ولا المدعو "يوريك مورجانوف" ..هل هي دعابة لشخص يراقبني من سنوات أو أيام ..هل باعة الكتب لاحظوا وأرادوا أن يسخروا مني أو حتى يطالبونني بتغيير الحيلة .....

لا أعلم

واستمرت معاناتي اليومية مع كتابة الأخبار وترجمتها وصياغتها ورصها ..والقراءة وخلافه ..لكنني أصبحت هذه المرة أكثر إلحاحا ـ ولا أعرف لماذا ـ في سؤال الباعة عن الرواية أو أي شئ يمت لها بصلة ..كنت أبحث عن الأربع كلمات ..أي نص مسرحي أو شعري أو نثري أو حتى دليل تقويم طالب يحمل اسم "عيون الصقر " منفردا أو "يوريك مورجانوف "منفردا أيضا

هذه المرة أمنت ـ برضو لا أعرف لماذا ـ أن النص موجود وأن هناك في هذا الكوكب المترامي الأطراف مخلوق اسمه مورجانوف كتب شيئا ما أو حتى غناه ـ وكتب بعد ذلك ـ نعم هناك عيون الصقر ..كيف لم ينتبه إنسان ما ـ أحمق إن لم ينتبه ـ إلى جمال عيون الصقر ..

في النهاية ..أصبحت مريضا بالبحث عن رواية بورجانوف وعيون طائره الجارح الذي يتغذى على العصافير ..لا تهربا بل رغبة في إيجادها ..

انتابني شعور أن الموضوع كله نبؤة ..نعم نبؤة وحلت على عقلي وفتحت الباب وتعرشت أحد المقاعد به أن لم يكن المقعد الرئيسي والوحيد ..النبؤة تقول يورجانوف وعيون الصقر ..لكنها لا تفسر ماذا هي ..لقد نزلت النبؤة أول مرة نطقت بالأربع كلمات ..

كان لابد لي من سنوات كي أنسى بورجانوف العظيم وروايته ذات الخمسمائة صفحة بيضاء ناعمة وحدث ... واستمرت حياتي في دورة عمل أخرى ..شوارع القاهرة ..رصيف السنترال ..لم يتغير سوى أن الكتب أصبحت لها غلافا بلاستيكيا بدلا من الورقي ومات بائع الكتب وظهر ابنه مكانه فلقد مرت 40 عاما ..ولأننا مصريون لا ننسى تعبيراتنا الاجتماعية قال لي الوريث الجديد لل"بضاعة" الورقية وهو يلاحظ اهتمامي بالبحث عن كتاب معين : "أي خدمة يا حاج" ..

لم أجد ردا حاولت التهرب فقلت له : عندكش رواية أنا كارنينا للأديب الروسي العظيم تولتسوي ـ هذه المرة اسم الرواية حقيقي ومؤلفها مما أصابني بالأسف لأنها عندي في البيت أصلا ـ

نظر لي البائع في أسف طفولي شيخوخي قائلا : للأسف معنديش ..الناس مبئتش تهتم بروسيا والأدب الروسي ..كله بيشتري كتب جنسية أو دينية أو جرايد اليوم ..بس أنا عندي دي ..

تناولت الرزمة الورقية لأجد كتابا مكون من حوالي 300 صفحة من القطع المتوسط ..وعلى الغلاف مكتوب :

رواية عيون الصقر
للأديب الروسي : يوريك مورجانوف