Monday, June 21, 2010

استفزاز وجودي ..موجة حر ...هأو أو




التاسعة صباحا

بجانب شجرة لا تراها في العادة يقف مجموعة ضئيلة منهم
هؤلاء الذي جاءوا مثلك صباحا ليقضوا مصالحهم
محطة أتوبيس من الأخر بدون أريكة معدنية لجلوس المقعدين والعجائز
عليها ... المحطة ليست إلا مساحات متفرقة من البشر هنا وهناك لا يجمعها ركن معين أو زاوية جديرة بالانتظار فيها ..بل على العكس مجرد تجمعات قبلية يجمعها انتظار الغائب الذي سيأتي في لحظة ما مقدما ذاته في هيئة لعبة مكعبة وتسير على أربعة دوائر سوداء وتمتلأ معدتها بمحصل تذاكر ثمل أحمق ..وسائق لا نعرف من هو ولا نراه في الحقيقية المستحقة إلا حينما نقف بجانب الباب لنخرج من فم العربة مؤكدين بصوت استخباري :" طب الأسنان معاك يا أسطى لو سمحت "

هذا ما ستجده في مفترق الطريق بين شارع السرايات وشارع أحمد باشا سعيد بالعباسية وأنت متجه إلى كلية طب الأسنان التي تدرس بها في نهائي طب ..محطة بلا محطة ...صحيح أنها مصب لأنهار الشمس الحارة ونحن في هذا التوقيت نستضيف شهر يونيو بأراضينا يعني المسألة مسألة تحرق الدماء ..

وياريت المسألة تنتهي على كده ..فالطريف في الموضوع رغم أنني لا أجده طريفا أن جلوسك في المقعد أو وقوفك معلقا أمام الأخرين ماسكا بماسورة السقف لم يمنع سائق الأتوبيس من عدم الانصياع والامتثال لهدفك وايحائك له بالاتجاه إلى شارع العباسية مرورا بالعتبة بالسيدة زينب قبل الدخول في المنيرة والقصر العيني لتجد نفسك بعد شارع المنيل محاطا ببسمات من وصل قبلك إلى كلية طب الأسنان ،لا فالأوتوبيس يعجز عن التواصل معك عقليا وعبر كهرباء المخ الأثيري وأرواح التجلي ... تتمزق حزنا وانت تتجه لباب الأوتوبيس قائلا للسائق : " انا راكب غلط نزلي هنا "

عد بالشريط الزمني لعدة ثواني سابقة

ستجدني أقف أو أجلس مع أحد مستقلي العربة ..في همهمة أو قل حشرجة غير مفهومة بالطبع يقول لك أنك في المكان الخطأ .. وأن هذا الأوتوبيس يتجه لحدائق القبة .... نفس الخطأ الذي ارتكبته لمرات عديدة غير متنبها إلى أن الأتوبيس الذي يكتب عليه القصر العيني ليس ضروريا أن يكون متجها للقصر العيني ... .يشير إليك هذا الراكب المهمهم بأن المحطة التي على اليسار أي الناحية التانية هي اللي رايحة المنيل ..ويصرخ على السائق الذي نراه سريعا وبدون تركيز " ياريس وقف شخص ركب غلط " هنا تنتهي الهمهمة ومحاولاتك فهم ماذا يقول هذا المخلوق الصارخ على السائق
والذي جلست معه حوالي أربعة أيام لتفهم ماذا يقول وهل أنت في الطريق الصحيح أم لا لكنه كان يدير وجهه بزاوية غريبة لا تفهم منها سوى أن هناك خطأ ما .

تعبر الشارع وتجد مهزلة كوميدية جديدة ...محطة أتوبيس أخرى مكونة من سبيل ماء وكشك سجائر وسيارة مغطاة يستند عليها البعض بديلا عن الأريكة ..هذا هو شكل المحطة المتعارف عليه في منتصف شارع أحمد سعيد أو ما يعرف باسم مدخل حي بين الجناين ...هناك ستجد البشر يقفون لساعات طويلة ...بلا تغيير في الأفراد أو تغيير في الوقفة ...كلهم ينتظرون أتوبيسا معينا لا يأتي ... يمر العابرون عليهم ويسخرون ...كما لو كانوا أرواح موتى تسخر ممن يعيش الآن ويعيش في حياة غير مفهومة وعبثية .... تسأل أحد الأشخاص هو اللي رايح المنيل وطب الأسنان بيعدي من هنا ...يجيبك إجابة أخرى مليئة بأرقام الأوتوبيسات التي تريد ركوبها ...هو بيعدي من هنا ؟ يجيبك : اه ويضيف بلا داع : أنا هركب الأوتوبيس دا ...في النهاية وبعد انتظار على شبه المحطة تلك أو لنقل سبيل الماء والسيارة المتخفية في هيئة محطة ...يأتي الأوتوبيس بلا أي بقة فراغ تملأ نفسك بها ... مزدحما لدرجة الاستياء القوقازي ....تترك صديقك الذي يجيب إجابات أخرى .... تجده يتشاجر مع أحد المعلقين على الباب ويسأله أنت نازل ولا طالع ثم تتوالى الشتائم ...تضحك وأنت تتجه إلى محطة أخرى ....تسير قليلا وتنظر ...تحترق دمائك من التأخير على الكلية ... وبعدين ... تمر بالعواصف الترابية تتعرض لقبلات مقززة من دائرة الشمس المفروضة على هذا الكون بحجة إنماء النباتات ...وتجوب بحارا وبحارا و....لن أكمل الأغنية فها هي محطة " " بصراحة مش عارف اسمها لنقل محطة الدمرداش أو محطة نفق مصر والسودان المهم أننا الآن في منطقة دير الملاك الممهدة لحدائق القبة ... هذه المحطة تختلف عن سابقاتها بأنها تحتوي على أرائك ...نحمد الله ... لكن الوقت يمر ولا أريد الوصول متأخرا ...بعض الأوتوبيسات الغامضة هويتها ولا تحمل حديدة الأماكن التي توضع بجانب أول راكب غير موجودة .. ثم يأتي صديقك الأوتوبيس الموعود الذي وقفت في ثلاث محطات اليوم وأمس وغدا ربما 150 محطة كي تجده ... وتستقله ... ليتجه في طريق أخر يستغرق وقتا زمنيا عن طريق العتبة القصر العيني المنيل .... هذا الأوتوبيس الغارق في الصبغة الحمراء ..يتخذ طريق صلاح سلام القلعة السيدة عائشة مجرى العيون ..وهووووووووووووب بس بعد الكوبري يااسطى ...الإشارة هناك إلى كوبري مجرى العيون ..أصلا أنا ايه اللي يخليني أنزل ميدان الجيزة وأركب حاجة تانية للمنيل لأ أنا هركب من مجرى العيون هكذا أقول لنفسي

لا يأتي الأوتوبيس في مجرى العيون ...

عنوان لكادر الساعة العاشرة والنصف يوميا
سور مجرى العيون أمامي يبدأ مدفونا وينتهي عاليا ولا أفهم لماذا هذا التدمير كيف تقوم بسد سور عال ...........
مش مهم ليس هذا مجالنا ...لكن وسط فتحات السور التي بقيت ستجد بائعي الورد وغالبا ما يكونوا عجائز يرتدين الزي الفلاحي المزهز بصور الفاكهة أو فتاة مات أباها في حادث ما لتجلس منتظرة مصيرها غير الرائع طبعا في مصرنا العظيمة الغالية على رأي خالد الذكر سيد درويش ... لا يأتي الأوتوبيس اتخذ قرارا هاما وأنا أنظر لساعة الميدان ..السير مشيا إلى المنيل ويحدث الأمر في عجالة ..العرق ينهمر من جلدك ... ترتشف كوب من الماء المثلج المشبر في أحد مقاهي المنيل المضغوطة ... تعبر الطريق لتجد الكلية ...تدخل إلى أصدقائك في المحاضرة على فمك تعبير واحد :" يلعن أبو أم المواصلات والأرف اللي احنا فيه كل يوم ...مافيش أتوبيسات في العباسية للمنيل تركب غلط وتنزل تركب تاني .. وفي مجرى العيون مافيش حاجة للمنيل تمشي على رجليك ... "

لكني تعلمت حكمة وما زلت اتعلمها كل يوم وما زلت أتفوه بالشتائم لأني اتعلمها كل يوم ...باختصار الانتظار هو ميراثنا الوجودي ...الانتظار دون أن يأتي ما تريد وحتى إذا جاء ستذهب إلى مكان خاطئ ...وهكذا تحترق حياتك في وصلة غباء متواصل ... فما الحل ... أنك تمشي للمنيل على رجليك يا برنس البرانيس ............هأأو...أو..أو...أأأو

محلوظة : هأأو كلمة باللهجة الصربية تعبر عن السخرية




























No comments: