Thursday, July 22, 2010

كيف تتحول من استاذ جامعي الى صبي في مقلة لب ؟ الكتاب الأكثر مبيعا بالأسواق


"عدم الاقتناع بما يفعل" ..إنه نفس السبب الذي دفع صديقي الاستاذ الجامعي إلى ترك وظيفته والعمل كصبي في محمصة لللب والفول السوداني الكائنة بمنتصف شارع رمسيس ..ساعات بيطلقوا عليها اسم " مقلة" لم أسخر منه ولو مرة واحدة ..حينما كنت أمر عليه وهو يصب كميات من لب البطيخ في وعاء المحمصة ويقلب لساعات كنت احسده على السعادة التي تطل من عينيه ...رغم أنه قضى معظم عمره في السلك الأكاديمي بين تراب المكاتب وعفار المكتبات والروائح العفنة المنبعثة من أفواه اساتذة الكلية عجائز التاريخ التعليمي وملابسهم المضحكة إضحاك القرون الوسطى رغم كل هذا قرر أخيرا أن يترك عمله الممل والأهم المؤذي لأعصابه وراحته النفسية للعمل كصبي في محمصة للب . "لقد وجد السعادة في تحميص اللب وغيره من المقرمشات" هذه هي الجملة التي نطقت بها مخيلتي وانا أمر عليه للمرة الأولى بعد تركه لوظيفته ..كنت اذهب للجامعة لإكمال دراساتي العليا في موضوع تافه من موضوعات البحث الأكاديمي في مصر أظن كان عنوان أطروحتى الجامعية " التحور الجيني لفرخ الورق المقوى في القرن السابع عشر " ... مش فاكر ...لكني فاكر كويس جدا كيف كان صديقي الدكتور الجامعي يسير ومعه في حقيبته السمسونايت 15 كتابا تحمل عنوان " كيف تعيد ثقتك بنفسك" " كيف تحقق هدفك " " كيف تبني مستقبلك" " كيف تكتب رسالة علمية" " دع القلق وابدأ الحياة " مئات من هذه الكتب قرأها استاذي الجامعي بلا جدوى كان يشعر دائما بالخوف من الحياة ومن الموت وكنت استفزه بالحديث عن الموت ..فينهرني قائلا : بطل بئة تعال نتكلم عن مكونات بشرية أخرى بخلاف الأرف دا ... كان يقولها ووجهه مرتاب مني كأنني أنا الموت مجسد في مخلوق ... وكنت أنا اضحك وأسخر منه ...دكتور في مثل حجمه هذا وسيرته تلك ويخشى الموت ...حاجة غريبة الآن صديقي الأكاديمي يعود الى بيته في حي السكاكيني سعيدا ... لا أحد يسخر منه فقد حقق هدفه ... تاركا ورائه كل أوهام التفوق والنجاح الغير مرغوب وكل وساوس الموت دون ان يكون قد حقق ما يرغب فيه ..جلست معه منذ أسبوعين احاول استجلاء حقيقة الحياة منه باعتباره أحد كبار مفكري هذا العصر ومن المعروف أنه عمل سابقا مستشارا علميا بعدة حكومات مصرية متعاقبة ...أخبرني بأعجب حقائق سمعتها في حياتي . قال لي صديقي العجوز ذو ال80 عاما : شوف مافيش حد راضي عن اللي هو فيه من اول رئيس الجمهورية لحد اصغر موظف في الدولة ... احنا ما تولدناش مصريين عشان نفرح ونبتهج احنا تولدنا عشان غيرنا يحددلنا ازاي نفضل تعساء واغبياء طول حياتنا في حاجة مبنحبهاش تخيل التناقض في الحياة ... المكان اللي انت فيه دلوءتي يا إما أهلك اختارهولك يا إما انت اللي اخترته وفي الحاليتين انت مش فرحان عارف ليه لأن المكان في الحالتين مش هو رغبتك الحقيقية ممكن يكون عشان لقمة العيش او الخوف من البطالة او غيران من حد فعايز تنجح في اي حاجة وخلاص بس هئولك نصيحة... البني ادم لما يموت هينزل لوحده في القبر ومش هياخد منافسينه معاه . سألته : طب يعني الواحد يعمل ايه في الحياة عشان يكون ناجح وفي نفس الوقت سعيد ؟ جاوبني قائلا : اعمل اللي انت عايزة مافيش معيار للنجاح مانا اهو استاذ جامعي تحول الى صبي في محمصة لب وسوداني ...يعني من الأخر مافيش كتاب او ميثاق او حتى مانفيستو بيقولك ايه الصح والخطأ لو كان فيه كتاب لمعايير النجاح في حياتنا كتاب بيئول مين هو الناجح ومين هو الفاشل كان الناس كلها طبقت الكتاب دا وكانت عرفت من خلاله سر الوجود لكن واقع الحال أن كل طبقة اجتماعية كل بني ادم كل دولة أو شعب أو حتى كوكب شايفالنجاح بعينه... وبيعاقب اللي يمشى عكس الاتجاه بس الحقيقة بتئول اعمل اللي انت عايزه مافيش فاشل ولا ناجح كلها تمثيليات اخترعها البشر للنجاح والفشل ...وهم كبير مضحك وسخيف . سألته : يعني حضرتك شايف انا وغيري نعمل ايه ..؟ الإجابة : اعمل اللي انت عايزه..قم بتحميص الكراوية لو شايف سعادتك في تحميص الكراوية ... اقفز من البلكونة لو فاكر ومصدق بجد انك هيطلعلك جناحات وهتطير ... يمكن تفقد حياتك ويمكن فعلا تطير ما هو مافيش حقيقة في هذا الكون ... اشتغل حلاق او اسعى انك تكون رئيس جمهورية مش هتفرق في الحالتين هتكون سعيد اذا عملت الحاجة اللي بتحبها بجد حتى ان كانت إحصاء عدد النمل على أحد حوائط غرفة عتيقة في مصر الجديدة ... صدقني ماحدش هيسخر منك اذا سبت شغلك واشتغلت حتى نجار أو حرامي خزن ...كل الناس فهمت من زمان اني مافيش حقيقة واننا عايشين عالم من الخدع السحرية .... وعشان كده بيسبوا اللي يعمل حاجة يعملها من غير ولا كلمة ولا نفس نحن في النهاية شركاء في أمر واحد وهو أننا مخدوعون بهذا العالم التافه ...ودمتم قائمة بعدد من الوظائف التي تحول اليها اساتذة جامعيين بعد قراءة هذا المقال : تعلم اللغة الكورية ... شوى السمك بدون شواية وعلى عين البوتاجاز الصغيرة .. اللعب في ستائر غرف النوم ومحاولة ممارسة رياضة التزحلق او الغطس داخلها وكأنك أصغر اقزام الأرض ... وضع لسانك داخل أقرب مولد للكهرباء في محاولة لاستكشاف ما ذا يوجد بعد الحياة ... هرش الرأس حتى تتدفق منها الدماء ... الامساك بمطفأة سجائر وادارتها بكف يد واحدة عدة لفات ... عمل رسالة ماجستير في العلاقة بين المطربة اللبنانية شوقية اسماعيل أغا واحتراق احد مصانع الغزل والنسيج بمدينة البط ... قضاء عطلة عيد الفطر والأضحى في كوكب زحل .... الجلوس ساكنا صامتا لمدة سنوات حتى يخرج السر الإلهي ... ركل ايادي وأقدام الكنب ومحاوة تحطيم الشمس بطائرة ورق ...يعني اي جنان وخلاص طالما انت مقتنع

No comments: